في عمان..
المجتمع العماني يميل إلى الجماعية، والفكري القبلي – رغم تأثير العولمة – لا يزال مسيطرا، فلا غرابة من أن يتم تفضيل شخص على آخر فقط لأنه من القبيلة الفلانية مما يؤدي إلى الكثير من السلوكيات الخاطئة كالواسطة والمحسوبية وغيرها. كما يتم البت في الكثير من القضايا بناء على قيم جماعية كتحريم الخمور (بناء على التعاليم الإسلامية) أو وضع الكثير من القيود فيما يتعلق بالحصول على الجنسية العمانية والزواج من الخارج (لحماية التركيبة السكانية العمانية) وغيرها من القرارات التي تأتي لترسيخ الهوية العمانية أو العربية أو الإسلامية. أما على صعيد الوعي الفردي فهو انعكاس للهوية الجماعية فمصطلح “المواطَنة” هو تفسير لمعظم الممارسات الخدمية، فلا عجب من أن يكون شعار “نعم للحد من حوادث المرور” ناتجٌ من مفهوم المواطنة على اعتبار أن السلطان أشار لظاهرة الحوادث، وبالتالي فأي جهد يستثمر في الحد من هذه الظاهرة هو مواطَنة، فالسائق الملتزم أكثر مواطَنةً من السائق المتهور. كذلك هو الحال في المبادرات الفردية خارج السلطنة والتي تأتي دائما على أنها “تمثيل” للسلطنة ولو لم يكن هذا الشخص مبتعثا رسميا من الدولة، فلو قلنا أن جمعية هواة العود “تمثل” السلطنة في مهرجان العود بالقاهرة فهذا أمر طبيعي على اعتبار أن الجمعية تابعة لمؤسسة حكومية، ولكن عندما يقوم شخص مثل خالد السيابي بتسلق جبل إفيريست فهو وإن قام بهذا من منطلق فردي إلا أن الإنجاز يحسب للسلطنة، وعندما أراد حافظ المحروقي قيادة دراجته الهوائية إلى الكويت كان من ضمن مخططاته توزيع أعلام وهدايا عمانية في كل مدينة ودولة خليجية يزورها. مرة أخرى يتجلى انعكاس الهوية الجماعية في سلوك ووعي الفرد.
إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من التنازلات concessions في سبيل الوصول إلى أهداف فردية، والفردية هنا ليس بالضرورة أن تتمثل في شخص وإنما في عنصرٍ أصغر من جماعة أكبر، فعلى سبيل المثال نرى التضحية بالهوية الدينية في سبيل إعلاء اسم الدولة، كالسماح بالخمور في المنتجعات السياحية لجلب الاستثمارات، أو التخلي عن بعض التقاليد المترسخة في مجتمعٍ ذكوري مثل عمان فنرى عرضا نسائيا عسكريا بحتا بكل ما يحمل من رمزية تدل على المساواة بين الجنسين.
أما على مستوى الأفراد فالوضع أصبح أخطر، ففي كثيرِ من الحالات اختفت الهوية واختفى الانتماء وبات الهاجس الأكبر هو تحقيق النجاح الفردي، فصاحب المزرعة يبيعها لمليونير خليجي طلبا للمكسب بدون التفكر في أن أرضاً عمانية لم تعد عمانية، ورب العمل يجلب العمالة الآسيوية الرخيصة غير آبهٍ بسياسات وضوابط التعمين، بل وصل الأمر إلى الهجرة من البلد بحثا عن السر المقدس الذي لم يعد موجودا على أرض الوطن.
القضية الأخطر هي المتاجرة باسم الوطن، أو باستخدام المصطلح الاجتماعي، استغلال الهوية الجماعية للوصول إلى النجاح الفردي، كمن ينادي بمشاريع وطنية في سبيل الحصول على دعم مادي أو تكوين علاقات تتيح له الوصول لأهداف أعلى، أو كصانعي القرار الذين يتسابقون لأخذ نصيبهم من الكعكة المسماة “العيد الوطني” فيوقعون على مناقصات احتفالية تفوز بها شركة هذا أو مصنع ذاك.
لا يزال المجتمع العماني محافظا على جماعيته رغم المشاريع الفردية الكثيرة التي ظهرت في الآونة الأخيرة والتي أثبتت وجودها خاصة في مجال الأعمال، إلا أن الخوف كل الخوف في أن ينسلخ العماني من هويته الجماعية في ضوء هذه المتغيرات التي وإن أدت إلى انتعاش اقتصادي حالي فقد يكون لها أبعاد اجتماعية سلبية تضع الهوية الفردية هدفا أسمى من كل المبادئ والقيم التي تربينا عليها.
لا يزال المجتمع العماني محافظا على جماعيته رغم المشاريع الفردية الكثيرة التي ظهرت في الآونة الأخيرة والتي أثبتت وجودها خاصة في مجال الأعمال، إلا أن الخوف كل الخوف في أن ينسلخ العماني من هويته الجماعية في ضوء هذه المتغيرات التي وإن أدت إلى انتعاش اقتصادي حالي فقد يكون لها أبعاد اجتماعية سلبية تضع الهوية الفردية هدفا أسمى من كل المبادئ والقيم التي تربينا عليها.